نوح باك وترنم شاد عابد البادنابي يكتب بين الشدو والشجن

05/05/2024
مدير النظام

أيها الناس نحن من نفر 

عمّروا الأرض حيثما قطنوا

حكّموا العدل في الورى زمناً

أترى هل يعود ذا الزمن؟

ردد الدهر حسن سيرتهم

ما بها حِطّة ولا درنُ

وكثيرون في صدورهم

تتلظى الأحقاد والإحنُ

دوحة العرب أصلها كرمٌ

وإلى العرب تُنسبُ الفِطنُ

أيقظ الدهر بينهم فِتناً

ولكم افنتِ الورى الفتنُ


شعور ممزوج بين الغبطة والحزن وأنا أكتب إليك عزيزي القاريء كأول كتابة لي على (إنسان)، حروف تتشابك ما بين تأريخ تليد ومستقبل ملبد بالغيوم ننتظر أن يمطر علينا غيثاً يسقي هذه الأرض التي ورثناها حباً وانتماء ونخشى أن تزمجر فوق رؤوسنا رعودها لتتخطانا ونحن أكثر حاجة لها.

وتتزامن كتابتي الأولى مع زكرى رحيل فرعون الأنشودة الوطنية حسن خليفة العطبراوي مما ساقني لأبتدر بتلك الأبيات من انشودته أنا سوداني التي كتبها ابن رفاعة الاستاذ الراحل محمد عثمان عبدالرحيم وارسلها عبر البريد للعطبراوي في مسقط رأسه بعطبرة ليضف عليها العطبراوي كل ما يجعلك تبكي وأنت تسمعها حتى وإن كنت داخل البلاد.

العطبراوي الذي وقف امام الخواجة الذي دعاه ليغني للناس في إحدى الاحتفالات بعطبرة فما كان منه إلا أن تغنى بانشودة وليدة اللحظة ليغني (يلا لي بلدك يا غريب يلا لي بلدك)

وكان يعرف جيدا عواقب ما اقدم عليه ولولا تدخل أعيان المجاذيب لكان في عداد الذين اعدمتهم بريطانيا بالسودان.

فالحديث ممزوج بين الشدو والشجن فقد وثقتُ للعطبراوي في أيامه الأخيرة وادركت انني بين يدي موسوعة في الحب والعطاء لهذا الوطن الجميل.

كيف لا وهو الذي يركب قطار بابنوسة في نهايات مايو لأنه يعرف أن السيول والامطار تقطع السكة لأشهر متواصلة فيلهب الحماسة في قلوب العمال يصلحوا الطريق ومن ثم يعود دون اجر معلوم.

هذا الفرعون يجب أن ينصب له تمثال كبير بمدخل مدينة عطبرة ليبحث الزائر عن هذا الرجل وحبه لوطنه الصغير عطبرة والسودان الكبير.

كل شيء في عطبرة يحدثك عن العطبراوي... السكة الحديد وعمالها... مسجد الريح... التلفزيون... مسرح النيل... الأمل العطبراوي.

وفي وجدان كل سوداني أصيل تجد العطبراوي حاضرا بكل تفاصيله.


تمر علينا هذه الذكرى وبلادنا في حرب فرضت عليها بليل وجعلت عاصمة الكرامة والإنسانية نازحة في الداخل ولاجئة في الجوار والجزيرة الخضراء التي أنجبت محمد عثمان عبدالرحيم يعوث فيها الباغي فسادا في كل شيء ليخنق العطبراوي الذي ما برح صوته وهو ينادي :


في أخلاقنا في عاداتنا

اشراقات تنور ذاتنا

نحن حميدة سمحة صفاتنا

من أجدادنا لي أباتنا


ولكن ما يخفف الوجع هو الكفاح المستميت من أبناء الوطن دفاعا عن أرضهم وأعراضهم وهم يرددون أيضا للعطبراوي :

عن الكفاح لا لن احيد 

وهو يؤكد عودة النازحين واللآجئين في ذات الأغنية لمحي الدين فارس :


وغدا نعود 

حتما نعود 

للقرية الغناء للكوخ الموشح بالورود 

وتزغرد الجارات والصفصاف يرقص والصغار 

وسنابل القمح المنور في الحقول وفي الديار 

حتما نعود..... 

عذرا أيها القارئ فقامة العطبراوي أعلى من أن يتحدث عنها مثلي في مساحة ضيقة فهو الذي غنى للعاشقين :

جنة العشاق... والقلوب مرتاحة 

وانت يا قلبي الما لقتلك راحة.


رحم الله العطبراوي بقدر ما أعطى لهذا الوطن والآمال في أن تعود الذكرى القادمة ونحتفي بها في المسرح القومي بام درمان وتردد الأجيال :

يا وطني العزيز... يا أول وآخر 

أهتف بي حياتك وبي مجدك أفاخر. 



ونواصل...

Powered by Froala Editor

مواضيع مشابهة

أعمدة الرأي

علي تركماني يكتب د . ساتي حسن قدم خير جدارة الإختيار والعمل المنهجي(1)

أعمدة الرأي

د . محمد عثمان عبدالرحمن يكتب قواعد الحوكمة المؤسسية في شركات التأمين ( 2-6)

أعمدة الرأي

د . ياسر محمد أحمد عالم يكتب وصية للسودانيين النازحين في مصر

أعمدة الرأي

د . محمد عثمان عبدالرحمن يكتب انشاء وثائق التأمين وقواعد التفسير المتبعة لدى المحاكم (3)

أعمدة الرأي

د . سيف الدين حسن العوض يكتب مقال أكاديمي لماذا أخفق اعلام الجيش

أعمدة الرأي

د . محمد عثمان عبدالرحمن يكتب شرط التحكيم في وثائق التأمين سلسلة الثقافة التأمينية (2)

أعمدة الرأي

د . محمد عثمان عبدالرحمن يكتب الرقابة والإشراف على التأمين سلسلة تشريعات التأمين (1)

أعمدة الرأي

د. محمد عثمان عبدالرحمن يكتب الفرق بين التأمين التعاوني والتجاري سلسلة الثقافة التأمينية (7)

أعمدة الرأي

د . محمد عثمان عبدالرحمن يكتب عملية إعادة التأمين سلسلة الثقافة التأمينية (6)

أعمدة الرأي

قضايا الأنا وحب النفس عابد البادنابي يكتب