دكتور سيف الدين حسن العوض يكتب مقالا أكاديمياً لماذا أخفق إعلام الجيش السوداني

27/02/2024
مدير النظام

لماذا أخفق اعلام الجيش السوداني؟

بقلم د. سيف الدين حسن العوض

أستاذ الإعلام المشارك بجامعة أم درمان الإسلامية

مدخل:

يشهد العالم اليوم تطوراً علميا، وتقدّما تقنيا وتحولا تكنولوجيا في أشكال التّواصل المختلفة التي أسهمت في تطور أنماط الحياة وأساليب العيش، فقد غدا إنسان هذا العصر كائنا تقنيا تواصليا تحرّكه شبكات التواصل الاجتماعي وتستهويه أخبارها، فأصبح الخطاب الإعلامي الرقمي وسيلته المفضّلة ومصدر معرفته وتثقيفه، ورفيقه الدّائم الذي لا يستطيع الاستغناء عنه، خاصة في ضوء تطور هذا الخطاب سواء تعلّق الأمر بالأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، أو بالخصائص اللغويّة التي أصبح يتصف بها، أو بالنّظر إلى طبيعة التّحديات التي باتت تواجهه. كما نشهد اليوم في الساحة الإعلامية فوضى كبيرة في الممارسة والتلقّي من جراء تعدد المصادر التي تنقل الأحداث وظهور ما سمي بصحافة المواطن كنتيجة للتطور الحاصل في تكنولوجيات الإعلام والاتصال وامتلاك وسائل النشر والتسجيل، فشهدت تغيرات جذرية في الممارسة الصحفية والإعلامية وهو الأمر الذي توقعه عالم الاتصال الأمريكي "مارشال ماكلوهان" في نظريته الحتمية التكنولوجية، وفكرة أن الوسيلة هي الرسالة، الأمر الذي أثّر بدرجة كبيرة على المهنة الصحفية وعلى أخلاقيات المهنة الصحفية، فكان لابد من وضع ميثاق شرف إعلامي يضبط التناول الإعلامي، ويعزز روح المحبة والأخاء بين المدونيين، ويرعى الإلتزام بأخلاقيات المجتمع، واحترام مشاعره وثوابته، ذلك أن الإرتقاء بالخطاب الإعلامي بصورة سليمة تمكن وتساعد على تعزيز العمل الإعلامي.

ماهو الإعلام؟

الإعلام من أكثر الوسائل الحديثة الهادفة إلى تزويد الناس بالأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة، والحقائق الواقعة التي تساعدهم على تكوين رأي صائب في واقعة من الوقائع أو قضية من القضايا، بحيث يعبّر هذا الرأي تعبيراً موضوعياً عن عقليّة الجماهير، واتجاهاتهم، وميولهم في نفس الوقت، والخطاب الإعلامي هو المزود للجمهور بالأخبار والمعلومات عن شتى المواضيع، والخطاب الإعلامي من أبرز أنواع الخطاب المنتشرة في العصر الحديث؛ إذ يهتم بجانب من جوانب الاتصال الذي يعدّ من أقدم أوجه النشاط الإنساني في التواصل، وهو عمليّة اجتماعيّة ونفسيّة يقوم من خلالها الأفراد بنقل المعلومات والأنباء والرسائل الشفويّة والمكتوبة من خلال مجموعة وسائل بقصد التأثير في أفكار الآخرين وآرائهم وسلوكيّاتهم. وفي ظل التقدم التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم والثورة المعلوماتية، أضحى الخطاب الإعلامي أكثر فاعلية في إحداث التغيير السلبي أو الإيجابي لدى الجماهير وفقا لما يسلط عليه الضوء. فالخطاب الإعلامي الرقمي بوسائله المختلفة أضحى هوالأقوى تأثيراً والأكثر انتشاراً وفي متناول الجميع وقضية الإرتقاء به من الأهمية بمكان لتحقيق الاستقرار والتنمية في أي مجتمع. لذا لابد من الاستفادة من الخطاب الإعلامي الرقمي السوداني في الظروف الصعبة التي تمر بها أمتنا السودانية.

والتكنولوجيا أو التقنية يمكنها أن تدعم الخطاب الإعلامي بالقدر المطلوب، ولكنها ربما تنجح في الحصول على البيانات، ولكنها لا تستطيع أن تحررها وتكتبها وفق أخلاقيات المهنة، أو وفق مدونة السلوك المهني، فلا تستطيع التكنولوجيا وحدها من الإرتقاء بالخطاب الإعلامي، ولكن بجانب ذلك لابد أن يلتزم المندوب والمراسل الصحفي أثناء كتابته للخطاب الإعلامي أو الخبر الإعلامي بما جاء في مدونة السلوك الإخلاقي أو مواثيق الشرف الصحفي، ولابد أن يدرك الصحفيون أن الخطاب الإعلامي مرتبط ارتباطا كليا بظروف تحركات الشعب والجماهير التي توجه اليه، ويتفاعل معها، ويتأثر بجميع الأحداث الداخلية والخارجية. وينبغي للخطاب الإعلامي أن يعتني برصانة الشكل والمضمون والفكرة ونقل الحدث كما هو، ويشمل ذلك جميع التغطيات والتقارير التي تُنشر أو تبث، فضلا عن ذلك ينبغي أن يميل الخطاب الإعلامي الرسمي إلى الجماعية (المتمثلة في نحن، الشعب، الأمة، الجماهير الثائرة، الوعي الجمعي)، وليس إلى الفردية التي تعبر عن الذات المتكلمة "أنا"، أي السلطة والنظام، كما يجب أن تكون للخطاب الإعلامي الرسمي قيم ثابتة كالخطاب الديني، بجانب قيم وليدة الظروف والمعاناة وملامسة حال الناس في شتى الأماكن، اخيرا وليس آخر وحتى يكون الخطاب الإعلامي الرسمي مؤثرا يجب أن يكون قدر المستطاع ثنائي (الرأي والرأي الآخر) بحيث يقوم بإقناع الآخر وحواره أمام الرأي العام؟

ماهو الخطاب الإعلامي؟

يُعد الخطاب، مصطلح لساني، يتميَّز عن النص والكلام والكتابة وغيرها، ويشمل كل إنتاج ذهني، سواء أكان نثراً أم شعراً، منطوقاً أم مكتوباً، فرديّاً أم جماعيّاً، ذاتيّاً أم مؤسسيّاً، وللخطاب منطق داخليّ وارتباطات مؤسسيَّة، فهو ليس ناتجاً بالضرورة عن ذات فرديَّة يعبِّر عنها أو يحمل معناها أو يميل إليها، بل قد يكون خطاب مؤسسة أو فترة زمنيَّة أو فرع معرفيّ ما. 

ولما كان الخطاب بهذا التنوع والشمول من حيث الشكل والمضمون، فهو أيضا متعدد من حيث الاختصاص والاهتمام فهناك الخطاب السياسي والأدبي والديني والإعلامي، إلا أن أهم هذه الخطابات وأشدها إلحاحاً وتأثيراً في عصرنا الحالي وما نعيشه من ثورة اتصالات وبيانات في فضاء رحب من القنوات والشبكات هو ذلك الخطاب الإعلامي أو التواصلي، فهو الأوسع انتشاراً وتأثيراً في الفرد والمجتمع، فقد احتل هذا الخطاب قدراً كبيراً من التأثير والاهتمام.

إن الخطاب الإعلامي كما حدّده أحمد العاقد (2002م): هو مجموع الأنشطة الإعلامية التواصلية الجماهيرية: التقارير الإخبارية، والافتتاحيات، والبرامج التلفزيونية، والمواد الإذاعية وصفحات الأنترنت، وغيرها من الخطابات النوعية. 

ويمكننا هنا أن  نعرف الخطاب الإعلامي  بأنه أي منتوج لغوي إخباري منوع في إطار بنية اجتماعية ثقافية، وهو شكل من أشكال التواصل الفعالة في المجتمع، له قدرة كبيرة على التأثير في المتلقي وإعادة تشكيل وعيه ورسم رؤاه المستقبلية وبلورة رأيه بحسب الوسائط التقنية التي يستعملها والمرتكزات المعرفية التي يصدر عنها.

ماهي خصائص الخطاب الإعلامي المؤثر؟

الخطاب الإعلامي شكل تواصلي مركب متشابك ولكي يكون مؤثرا لابد من أن يعد اولا باعتباره صناعة تجمع بين اللغة والمعلومة ومحتواها الثقافي والآليات التقنية لتوصيلها، يشترك في هذه الميزة مع خطابات أخرى ويختلف عنها في الوقت نفسه.

وينبغي أن لا ننسى أن الخطاب الإعلامي يرتبط بأنواع الخطاب الأخرى، فهو مثلا يرتبط بالخطاب السياسي ارتباطا واضحا، فلا يخلو الخطاب الإعلامي من الشحن السياسي ولا يخلو الخطاب السياسي من الشحن الإعلامي؛ بل يذهب بعض العلماء إلى كون كل خطاب منهما يتحول إلى الآخر؛ فالخطاب الإعلامي قد يتحول إلى خطاب سياسي والخطاب السياسي قد يتحول إلى خطاب إعلامي.

كذلك فإن الخطاب الإعلامي يرتبط كذلك بالخطاب الديني ارتباطا وثيقا، فلا يخلو الخطاب الإعلامي من الشحن الديني ويحتاج الخطاب الديني للخطاب الإعلامي. 

ماهي أسس وقواعد الخطاب الإعلامي المؤثر؟

1.    الوضوح لفظاً ومعنى، فبجانب سهولة الكلمات والجمل والعبارات، لابد من التركيز على الأفكار والحقائق والمعلومات المهمة والأساسية.

2.    الحيوية في اختيار الكلمات المشوقة الجاذبة البعيدة عن الجمود.

3.    التنوع في الجمل والفقرات والعبارات، بحيث تتضمن كل فقرة فكرة جديدة، ومعلومات جديدة. 

4.    الاختصار غير المخل بالخطاب، بحيث يجعل المتلقي متابعاً ومنجذباً للخطاب من أفكار ومعلومات ومعانٍ بسهولة ويسر، وكما قيل في الأثر: خير الكلام ما قل ودل.

ما هي شروط الخطاب الإعلامي المؤثر؟

(1)    تحديد الهدف من الخطاب الإعلامي. 

(2)    تحديد الجمهور أو الفئة المستهدفة. 

(3)    تحديد لغة وأسلوب الخطاب المناسب حسب مستوى ثقافة الجمهور المخاطب. 

(4)    أن يكون أسلوب الخطاب جاذباً ومشوقاً. 

(5)    تحديد الوقت الذي ينبغي أن يستغرقه الخطاب. 

(6)    مراعاة الآداب والأخلاق والذوق العام في لغة الخطاب، والبعد عن المهاترات والسب والشتم.

ماهي عناصر الخطاب الإعلامي المؤثر؟

1)    الأهمية: وهي تناول القضايا التي تهم الجماهير.

2)    المعلومات الجديدة: من الضروري أن يضع واضع الخطاب الإعلامي في اعتباره بأن الجمهور يتوقع منه معلومات جديدة.

3)    تناول القضايا المثارة والساخنة في الساحة. 

4)    تناول الموضوعات التي تحتاج إلى تفسير وشرح.

لماذا أخفق الخطاب الإعلامي للجيش السوداني؟

يشكل ارتباط الإعلام بالمعلومات والرأي العام حالة من الإرتباط الدائم تتطلب الارتقاء بالخطاب الإعلامي إلى مستوى التحديات في كل المراحل بما يسمح بحضور مستوى عال من الحرية والموثوقية. ولعل المهمات الملقاة على عاتق الإعلام في عصر ما يسمى بـــ ''عصر العولمة '' بامتياز، يؤشر الى حجم التحديات بوضع خطط تنمية هذا القطاع ضمن قواعد واضحة من الاستقلالية والمسؤولية تضمن مخرجات إعلامية متكاملة وفعالة.

وينبغي للإعلام أن يكون مؤسسة الوطن المتفاعلة مع متطلبات القرن الـ21 بالمشاركة وبشكل مهني جاد مع كافة المؤسسات ذات العلاقة للارتقاء بمستوى الحريات وبمستوى الخطاب الإعلامي، وإن استقلالية وسائل الإعلام وإداراتها يجب أن يعزز ويتكامل بحيث يتم توضيح المهام والمسؤوليات والمرجعيات، فإن من أولويات مهام الدولة في الدول النامية استكمال تنظيم قطاع الإعلام بما في ذلك التشريعات الخاصة به، والمساهمة في وضع مواثيق ومعايير السلوك والأخلاق وتطوير قطاع التدريب والتأهيل الإعلامي.

كما يجب على الدولة تسوية القضايا الإعلامية والتحقق من إتاحة حرية التعبير ودعم استقلالية مؤسسات الإعلام المختلفة، والحرص على التنسيق والمشاركة مع القطاعات كافة في جميع المهام والمسؤوليات التي تقوم بها، من خلال آليات مؤسسية واضحة وشفافة ومهنية. وعلى الدولة السير بخطوات ثابتة لترسيخ حالة إعلامية تؤمن بالتعددية واستقلالية مؤسسات الإعلام لتقوم بدورها الرقابي بمهنية عالية في بيئة حرة ومسؤولة تجاوبا مع جهود التنمية والإصلاح.

وعلى الدولة أن تنظر بكثير من الاهتمام إلى تنظيم قطاع الإعلام المرئي والمسموع، والإلكتروني الجديد المتسارع النمو في ضوء الانفتاح على القطاع الخاص والاستثمار فيه، وكذلك إلى مساعدته في وضع معايير ومواثيق العمل له بالإضافة إلى وضع أسس الارتقاء بالمضمون والالتزام بالجودة العالية، وذلك من خلال الاهتمام بالمتطلبات المتصلة بالإعلام الإلكتروني والفضائي والشبكي وفرص الاستثمار المتاحة ومتابعة المستجدات لهذه المجالات، في ظل التطور السريع والمتلاحق في تكنولوجيا المعلومات.

ويمكننا القول أن عملية الإرتقاء بالخطاب الإعلامي في أي مؤسسة أو دولة هو محصلة إقرار التشريعات الإعلامية، بجانب نبذ خطاب الكراهية في وسائل الإعلام، والشفافية في تمويل المؤسسات الإعلامية الخاصة في الداخل والخارج، واقرار مدونة السلوك الإعلامي في ضبط السلوك المهني للصحفيين والإعلاميين، فضلاً عن الاهتمام بالمهنية في الإعلام الرسمي، والخاص، واقرار دور الإعلام في نشر ثقافة التسامح ونبذ خطاب العنف.

أما لماذا أخفق الإعلام الرسمي السوداني؟

ذلك لانه لم يعد الخبر الصحفي أو المقال أو التحقيق، هو المعول عليه في ايصال الحدث في ظل تنوع الوسائل والاساليب وتغير الامزجة في التلقي، وها نحن نلاحق الانجاز الحكومي أو تصريحات الدولة وتعليماتها، إضافة إلى الفعل الاجتماعي والثقافي، من خلال نوافذ التواصل الاجتماعي، مع تسيد الإعلام الرقمي من صورة ناقلة وفيديو سريع، يرافقه تعليق من أشخاص متحمسين أو منفعلين، يضعنا في حيرة التصديق وسط فوضى عارمة من تزاحم الميديا وتضارب النوايا! الأمر الذي يجعل المتتبع الحصيف مسكونا بالتوجس والشكوك جراء أبسط الأحداث.

نحتاج، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى ثورة إعلامية شاملة، لا تتوقّف عند حدود ثورة المواصلات والتكنولوجيا وفن صياغة الخبر، وإنّما تتماهى مع هذا كله، جنباً إلى جنب، مع توعية قومية أصيلة في أخطر مرحلةٍ، يجتازها الفكر القومي العالمي، وعلى الإعلام أن يرقى إلى درجة قصوى من الأهمية، لا باعتباره جزءا تقليدياً من مهام الدّولة، بل باعتباره جيشاً حقيقياً في أشد المعارك ضراوة.

يجب على حكومة أي دولة ممثلة في وزارة الإعلام الاتحادية والمجلس القومي للصحفة والمطبوعات، أن يضع خططا إعلامية واضحة، سواء على المستوى القطري أو القومي، وليس مجرد توجيه استثماري، أو تخطيط برنامجي قصير الأمد.

وعلى القادة في أي دولة أو مؤسسة أن يفكّروا في وضع خطّة إعلامية دقيقة، من شأنها الرد على الحملات المعادية، في محاولة لتغيير اتجاهات الرأي العام العالمي المضادة للحكومة، ليس تجاه قضايا سياسية معينة، وإنّما حيال الصور إجمالا، ليكون ذلك أساساً لتغيير اتجاهات الغير تجاه قضايا اي أمة، فيما بعد.

إنّ التخطيط الإعلامي في عالمنا الراهن الذي تزداد فيه الفجوة الإعلامية بين الدول المتقدّمة والنامية، وحيث يختلّ فيه التوازن في تبادل الأنباء والأفكار فيما بينها، يحتاج إلى أن يرتفع إلى المستوى الإقليمي والقومي، حتى يتمكّن من الوقوف في مواجهة التسلّط الجديد لوسائل الاتصال في الدولة المتقدّمة.

إنّ الدعوة إلى تخليص الخطاب الإعلامي من قيود الترهّل، والارتقاء به إلى مستوى التحديات التي يفرضها الراهن الإعلامي الكوني، ليست مقصورة على دولة دون أخرى، بقدر ما هي دعوة قومية شاملة.

أما لماذا أخفق الإعلام السوداني الرسمي فذلك لانه كان إعلاما مجزأ، ويعاني من تعدد المرجعيات، وغير منظم أو مرتب الأدوار والمهام، كما أنه كان صعيفا في وضع معايير وسائل الإعلام.

متى ينجح الإعلام الرسمي في التأثير على متلقيه؟ الإجابة إذا توفرت الإرادة السياسية العليا التي تدعو إلى إعلام حر مسؤول مهني مستقل وتعددي، بجانب الاهتمام بالكفاءات الأعلامية المؤهلة وبالمؤسسات الإعلامية الفاعلة ذات خبرة، فضلا عن الاهتمام بالابعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية.

إن التحديات التي تواجه الإعلام السوداني الرسمي تحديات حضارية، وتكنولوجية ومعلوماتية، لذا وللإرتقاء بالخطاب الإعلامي السوداني يجب الاخذ بأهمية وضع أسس للتعامل مع القطاع الإعلامي الرسمي والقطاع الخاص بما يتناسب وخصائص كل قطاع، بجانب إمكانية النظر في تعديل بعض قوانين وأنظمة المؤسسات الإعلامية بما في ذلك قانون المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية للعام 2009م، لضمان بناء إعلام سوداني معاصر، يقوم على التعددية والاستقلالية والتنافسية والمهنية والحرية المسؤولة، ووضع خطة تفصيلية للتنمية الإعلامية ضمن حدود مسؤوليات الدولة واتحاد الصحفيين، فضلا عن اقرار سباسات بناء الثقة بمؤسسات الإعلام الوطنية بالإضافة إلى بناء الثقة بين هذه المؤسسات من جهة والحكومة ومؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى، إضافة لسياسات بناء الهوية الإعلامية، وسياسات تنمية المهنية بما في ذلك إصدار تقرير سنوي بعنوان (أحوال المهنية الإعلامية في السودان)، وانشاء مرصد للحريات الإعلامي، واستكمال بناء منظومة التشريعات في مجال الإعلام وتطوير الهياكل المؤسسية، وسياسات تنمية وتدريب الموارد البشرية، ومساندة إتحاد الصحفيين في هذا المجال، ومساندة الجامعات لمراجعة وتحديث برامج ومضامين التعليم الجامعي في مجال الإعلام، وتعزيز سياسات تنمية التنافسية الإيجابية، وذلك بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة على إنشاء جائزة تمنح لأفضل مؤسسة إعلامية، وتنمية البحث العلمي والتطوير؛ و بناء قدرات مؤسسية في هذا المجال كإصدار التقارير والدراسات العلمية، وبناء قاعدة معلومات إعلامية، والعمل على إصدار ''المجلة السودانية لعلوم الاتصال والإعلام''، وإصدار دراسات إعلامية متخصصة، وأخيرا وليس آخرا تعزيز التنمية الإعلامية المجتمعية بالتركيز على التربية أوالدراية الإعلامية والتنشئة الإعلامية ومحو الأمية الإعلامية، ووضع خطة وطنية لتفعيل الإعلام التنموي في المرحلة القادمة.

هل بإمكاننا الإرتقاء بالخطاب الإعلامي السوداني إلى مستوى التحديات التي أفرزها الراهن الإعلامي الكوني والسموّ به إلى مرتبة الوعي والمسؤولية؟ أم إنّنا مازلنا نتمترس خلف خطوط الإنكسار ويخضع تبعا لذلك واقعنا الإعلامي لضغوط سياسية وإقتصادية تمارس للتضييق على الإعلام وللحد من مقدار الحرية التي تتنفّس من خلالها؟..

هل بوسعنا الآن..وهنا، ونحن نلج ألفية ثالثة ونصافح قرنا جديدا تفعيل وسائل الإعلام وتحريرها بما من شأنه أن يخدم الإحتياجات الفعلية للمجتمع السوداني، ويبلور دورها الإيجابي في خدمة الأهداف القومية والوطنية والإنمائية؟..أم أنّنا لم نستسغ بعد الدّور الحقيقي للإعلام الهادف ونتجاهل أهميته في معالجة مشاكلنا وقضايانا!؟

إنّ كثيراً من دول العالم تحاربنا بجيش إعلامي يستهدف إقتلاع جذور الهوية القومية السودانية من أعمق نفوسنا، بل ويستهدف إرباك العقل السوداني وتركيعه خارج تخومنا بما يعني أنّ العالم كلّه في صف واحد يحاربنا بجيوش إعلامية تتماهى بأشكال مختلفة مع تداعيات الراهن السوداني، وتصوغه في الأخير حسب أهدافها ووفقا لما يجسّد حضورها الدائم داخل البيت السوداني.

ومن هنا فالإعلام الوطني وفي ظل هذه الإختراقات، سواء من امريكا أو الغرب عامة، ومهما تناغم مع الحس القومي لا يحقّق في جوهره الوعي المراد، وهذا يعني أنّنا على الصعيد السوداني، نحتاج إلى ثورة إعلامية هادفة، تؤسّس لإشراقات سودانية، وتدرك جسامة المرحلة التاريخية التي يجتازها الفكر السوداني بحسّه القومي الآخذ في الإنحسار والتراجع، وذلك بما من شأنه أن يرقى بالإعلام إلى درجة قصوى من الأهمية، لا بإعتباره جزءا تقليديا من مهام الدّولة، بل بإعتباره جيشا حقيقيا يقاتل بجسارة في أعتى معارك الغدر ضراوة، وعليه فقد بات واضحا أنّ سلطة الإعلام ووسائل الترفيه على العقل لا تحتاج إلى إثبات وبالتالي فالرسائل العنصرية التّي تبثّها بعض القنوات أخطر بكثير من الهجوم المباشر لأنّه لا يتمّ الإنتباه لها، وترسّخ بالتكرار، مما يزيد من صعوبة تغييرها. فكيف نواجهها؟..

إن مواجهة الإختراق الإعلامي الكوني لا تتم عن طريق المقاطعة، وقديماً قال البروفيسور علي محمد شمو أستاذ كرسي الإعلام بجامعة أم درمان الإسلامية: لا للعويل نعم للبديل. إذاً عن طريق تطوّر عناصرالثقافة الخاصة بنا وبالتخلّص التدريجي من الحيز الذي تملأه الشركات الغربية في إعلامنا يمكننا مواجهة الإختراق الإعلامي الكوني. إنّ الغزو الإعلامي الغربي لا هدف له غير اكتساح العقل السوداني، وتربية الوجدان السوداني، وبالتالي، تطويع الفكر والشعور السوداني وفقا لما تحتاجه الإستراتيجية السياسية المرتبطة بتخطيط قادم من واشنطن أو غيرها من العواصم الغربية أو العربية التي مازالت تحنّ لإستعمار من نوع جديد، وعليه فإعلامنا السوداني، وفي حربه المضادة، مطالب باليقظة والدرجة القصوى من الإستعداد للحرب بما يجعله يلتفّ حول القضايا السودانية الكبرى، ويدرك أنّ الإعلام الغربي ليس "بريئاً" في مخططاته بإعتباره يؤسّس للإستعمار ولتهميش صورة العنصر السوداني وإبتداع صورة لنا وفقا لما يريده حتى ننتهي بالإعتقاد أنّها صورتنا، وهذا يعني أنّه يحمل في طيّاته أفكارا ايديولوجية تهدف بالأساس إلى مضاعفة غربتنا وتكريس استلابنا الحضاري، ولمَ لا، تبرئة الجلاّد وإدانة الضحية! فالصحف مثلا، التي تصدر في الولايات المتحدة لا تشير في إفتتاحياتها ولو بقدر ضئيل إلى مأساة الشعب السوداني وأزمته الحالية، بقدر ما تنحاز بتواطؤ سافر لقضايا إنصرافية في مجتمعنا السوداني، أو مجتمعات أفريقية أخرى. 

إذا كان لا بد من تزويد العقل السوداني بالمعلومات الدقيقة بإعتبارها تمثّل العدوّ الأكبر للقهر والظلم، سواء فيما يتعلّق بالقضية السودانية أو بغيرها من القضايا وذلك بإعتماد إعلام وطني نزيه يؤسّس للذات السودانية وينبّه لما حدث ولما يحدث بالقدر الذي يجعلنا بمنأى عن التنميط الثقافي والإعلامي المعولم، ومن هنا فإنّ الحاجة تدعونا إلى وضع تخطيط إعلامي على المستوى السوداني يتوافق مع إرادة الأمة السودانية، ويكون نابعا من التخطيط الإقتصادي والإجتماعي والسياسي على مستوى الدولة، وهو أمر يبدو في ظل المستجدات الإقليمية والدولية من أوكد المسائل.

خاتمة: 

يمكن للخطاب الإعلامي السوداني الرسمي الرقمي أن يكون من أكثر الخطابات المعاصرة تأثيراً وأوسعها انتشاراً وإقناعاً للمتلقي السوداني وغيره، ويرجع ذلك إلى ما يملكه من أدوات إقناع وإثارة ووجود وسائل تساعد على انتشاره ومد نفوذه، ومنها: المصداقية، تبني هموم الشعب والإنسان، نقل معاناة المجتمع وإيصال صوتها للعالم، مجاراة تحركات الشعب ونقل تطلعاته للمستقبل. كما أن تميز الخطاب الاعلامي السوداني الرسمي بالمصداقية؛ في القنوات السودانية الرسمية وشبه الرسمية والخاصة كذلك، هي كل ما يفرضه الوعي الجمعي من الشعب السوداني وتراه صواباً، وليس ما تتبناه السلطة وأبواقها، وإنما هو ما يريده الشعب السوداني وتهدف إليه من وراء تحركاته.الاقتراب من الخطاب اليومي والتفاعل مع المجتمع، والارتباط بالحدث الداخلي والخارجي. يجب أن لا يكون الخطاب الاعلامي السوداني خطاباً عفوياً، ولا يعبر عن ذات قائله، لأنه خطاب جماعي يمارسه صاحبه عن تدريب وتوجيه وتلقبن، فالخطاب الإعلامي السوداني صاحب أكبر جمهور، فجمهوره جموع الشعب، كما يتجاوز المتلقي الداخلي إلى متلق خارجي في الخطابات الدولية أو الخطابات ذات المضامين التي تتعلق بالمجتمع الدولي، وهذا لا يتسنى لغيره من الخطابات، 

ولكي ينجح الإعلام الرسمي وإعلام الجيش في المستقبل، فينبغي عليه الارتقاء بالكوادر الوطنية الإعلامية ورفع جودة وكفاءة عملها، بما يحقق الخطط الإعلامية المنشودة ويحسن مخرجات العمل الإعلامي، ويعمل على الخروج بخطاب إعلامي موحد يواكب تطلعات المواطنين في الحصول على مادة إعلامية تحاكي احتياجاتهم في معرفة آخر المستجدات على الساحة المحلية، وتلامس تطلعاتهم في الحصول على العلوم والمعرفة التي تواكب أحدث المتغيرات والمستجدات، بجانب الارتقاء بالخطاب الإعلامي وتوحيده بما يخدم المعركة الوطنية التي يخوضها الشعب ضد المليشيا المتمردة، مع ضرورة توحيه الخطاب الإعلامي نحو المعركة الوطنية الهادفة لاستعادة الدولة ودحر الانقلاب وبناء السودان الذي يحلم به كافة أبناء الشعب السوداني، فضلا عن توحيد الخطاب الإعلامي المواكب لمجريات معركتنا الوطنية والمصيرية وبلورة خطاب مشترك يعزز الروح الواحدة لكل السودانيين ويُثني على الدور الأخوي المساند للشعب السوداني، بجانب النهوض بالرسالة الإعلامية للأمة السودانية من خلال استخدام أحدث الوسائل المتطورة في مجال ارسال الأخبار مدعومة بصور، إضافة إلى استخدام أحدث أجهزة الحاسب الآلي من أجل تطوير الرسالة الإعلامية من خلال الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا الحديثة والتقنيات الفنية المتقدمة في مجال الإعلام الإلكتروني (الميديا) لنقل الأخبار والصوروتعزيز القدرات الإعلامية في جميع المؤسسات بما يحقق أهدافها ويمكنها من القدرة على المنافسة في عصر العولمة، ذلك أن الإعلام أصبح اليوم من أهم العناصر الأساسية في عملية التنمية الشاملة التي تسعى اليها الدول كافة.يج وأخيرا وليس آخرا، يجب أن يكون الخطاب الإعلامي السوداني بقدر المعركة وبحجم التضحيات، يشير بصورة واضحة إلى تضحيات المؤسسة العسكرية والجيش الوطني والمقاومة الشعبية وكفاح المجتمع السوداني بمختلف أطيافه وشرائحه في تحدي ومناهضة المشروع الإنقلابي وذيوله وكل أدواته على إمتداد الوطن وهو ما يتطلب تركيزاً كبيراً على هذه التضحيات تغطيةً ومتابعةً وتوثيقاً وتخليداً وتمجيداً يدفع باتجاه تعزيز الروح المقاومة على طريق الخلاص والإنتصار، وذلك من خلال تطوير الإعلام الرسمي ورفع مستوى أدائه وتحسين أوضاع العاملين فيه بما يمكنهم من أداء واجبهم الوطني بالشكل الأمثل ومجابهة الإعلام الدعائي والخزعبلات والأكاذيب التي يروج لها إعلام المتمردين والخونة والعملاء، بجانب توحيد الرؤى واستراتيجيات العمل المشتركة بما يسهم في تطوير الكوادر الإعلامية ورفع كفاءة القيادات الوطنية، لما يدعم مسيرة التنمية الشاملة للسودان، وبما يعكس الصورة المشرفة للسودان في المحافل الإقليمية والدولية، وتقديم عدد من المبادرات الرامية إلى بناء القيادات الوطنية في السودان، من خلال تقديم عدد من البرامج والمبادرات التي من شأنها توحيد الخطاب الإعلامي الموجه لمنظومة العمل الحكومي والمواطنين، وتحقيق المزيد من التطور في وعي الإنسان السوداني، وتعميق ثقافته وممارسته للديموقراطية لكي يكون قادرا على استيعاب التطور الحضاري والثورة الإعلامية الكبيرة، ومشاركا فاعّلا في تقدّم العصر. والله الموفق.

Powered by Froala Editor