- Sun, 22-Dec-2024
كان الأمل أن تخرج صحيفة "إنسان برس" اليوم مزدانة بحلتها الزاهية وثوبها الجديد لتصطف مع وصيفاتها من الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية في فضاء الإعلام الرقمي، وكلها همة وتفاؤل وسعى نحو تحقيق إضافة قيمة لإثراء ساحات المعرفة والإعلام الحر بمهنية واحترافية وصدق. إلا أن الأقدار تشاء أن تخرج متوشحة بهالة سوداء من الأحزان والتأسف على ما يحدث ببلادنا من عجائب وغرائب لم تشهدها على مر العصور والأزمان مما لم تكن لتخطر على بال أكثر المتشائمين من المحللين والمنظرين والباحثين المتخصصين في دراسات المستقبل. قبيل سقوط نظام البشير في 11 أبريل 2019م احتدم نقاش واسع بين فريقين من المتابعين والنشطاء السياسيين، فريق يرى أن شعار "تسقط بس" ما هو إلا خطوة هوجاء ستكن بمثابة مقدمة لمرحلة جديدة من الفوضى والفشل والدمار، معللين ذلك بأن هذا الشعار لا ينظر ولا يلقى بالاَ لضرورة إعداد البديل للنظام المراد اسقاطه، وأن البلد ستشهد فراغا دستوريا وامنيا يصعب ملؤوه، وأن هنالك تحديات كبيرة ومخاطر تتمثل في الإنهيار الإقتصادى الذي كان بلغ مبلغاَ كبيراَ وقتئذ، وهشاشة التركيبة الإجتماعية وانتشار السلاح وتعدد الحركات المسلحة، وكل هذه التحديات تتطلب ترتيبات دستورية وشعبية قبل اسقاط النظام الحاكم، لكن للأسف لم يستمع أحد لنداءات هذا الفريق باعتبار أنهم كيزان أو منتفعين الخ، بينما كانت قوة واندفاع وشعبية الرأى الآخر هي الغالبة، وبالفعل تحقق الشعار وسقط بس، ثم توقفت عبقريتنا ومقدرتنا على حل المشكلات هاهنا وخطونا أولى خطواتنا نحو ما انتهينا اليه اليوم.. بينما الشعوب تتقدم وتتطور بفضل تفكير وتخطيط سياسييها، نحن لم نحسن أكثر من الرجوع الى ما وراء تجربة ثورة أكتوبر 1964م حيث تم اسقاط نظام عبود العسكري واستلم المدنيون السلطة منفردين لمدة عام حتى أجريت انتخابات وتسلم الحزب الفائز السلطة دستوريا، كما لم نبلغ تجربة أبريل 1985م عندما أسقط نظام نميري العسكري وتم إمهال العسكر عام واحد فقط حتى تجرى انتخابات وتسليم السلطة للمدنيين وهو ما تم بالفعل بعد عام واحد لا غير. أما في تجربتنا الحالية أسقطنا العسكر وبس، ثم استبدلنا النظام السابق بمجموعة من أبنائه. رفضنا رئاسة البشير وقيادته للدولة ورضينا أن نتبع لقلة من أبنائه. لم تفلح نصائح العقلاء من جهابذة السياسة أمثال الراحل على محمود حسنين، وكبار خبراء القانون الدستوري حول عدم مشاركة العسكر في السلطة لأنها ستكون مثل شراكة الغزلان للأسد في الغابة، باعتبار ان القوي الذي يحمل السلاح ويملك المال لن ينصاع للضعيف الذي كل ما يملكه من قوة هى الاحتجاجات أو التظاهرات الجماهيرية وهى سلاح ثبت عدم فعاليته في عالمنا الثالث، ولا مطالبات دولية او غيرها، إذ نعيش في عالم الغاب، القوى فيه آكل والضعيف مأكول، لذا كان الأولى ألا يتم شراكة بين عسكر مراوغين وساسة جدد لاخبرة ولا تأهيل ولا وحتى ضمير لدى البعض منهم. ولطالما تجاهلنا نصح الناصحين العارفين ببواطن وظواهر الأمور كان لا بد أن يحدث ما حدث.. الآن بعد ان انقلب العسكر متضامنين على المدنيين المتشرذمين، ثم تمردت قوات الدعم السريع على الجيش الذي نما وترعرع في رحمه وتغذى من ثديه تحت رعاية قائده البرهان حتى اصبح دولة مستقلة وقوة تتفوق عدة وعتادا على الجيش الوطني للبلد، لا احد يستطيع ان يتكهن بما يمكن حدوثه.. الخرطوم وولاية الجزيرة ومناطق أخرى الآن مستباحة بواسطة مرتزقة وجنود الدعم السريع، تجرع المواطنون كل صنوف الذل والخوف والاستحقار، نهبت الأموال والممتلكات، تعرض الرجال والشباب للاهانة والتعذيب والنساء للاغتصاب والترويع، كل ذلك يحدث بواسطة غزاة جبناء لا يملكون غير السلاح ولا يعرفون انتماء ولا ولاء لهذا الوطن، عديمو القيم والأخلاق والمروءة. على الطرف الآخر الشعب الأعزل معاناته بعضها فوق بعض، ظل منذ اندلاع الحرب يناشد الجيش لحمايته وتجنب الاصطدام مع المتمردين بالمناطق السكنية، لكن لا مسمع لمناشدته وسقوط الصحايا لم يتوقف في ظل انعدام الخدمات الصحية. بعد انفلات الأمن مؤخرا تجددت مناشدة الشعب لتسليح الناس طالما عجز الجيش عن حمايتهم لكنه يعجز أو يمتنع عن تسليح المواطنين للدفاع عن ارواحهم واعراضهم.. بعد كل ذلك يتحدث الناس الآن عن مفاوضات يقودها ذات القادة الفشلة الخونة المجرمين بكل قوة عين وبلا ضمير، مع من قاد كل هذه الفظائع ضد الأبرياء، الدعم السريع كانت حربه ضد المواطن لا ضد الجيش، بينما الجيش كانت ولا تزال حربه حرصا على السلطة لا لمصلحة الوطن، والخلاصة الشعب لا يرغب في هذا ولا ذلك، ولن يتنازل عن القصاص منهم جميعا وبالتأكيد سوف تأتى ساعة القصاص مهما أظلمت الليالي الحالية، وسيتحقق مراد الشعب في القصاص كما تحققت إرادته في اسقاط ثلاث انظمة دكتاتورية سابقة، وما ضاع حق وراءه مُطالب، وإن الله ليملى للظالم حتى اذا اخذه لم يفلته.... ختاماََ، عهدنا في صحيفة إنسان برس أن نكون عنوانا للحق والحقيقة، نبراسا للتنوير والمعرفة وضد التجهيل وتغييب الحقوق..
Powered by Froala Editor